فصل: تفسير الآيات (30- 32):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (30- 32):

قوله تعالى: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)}.

.مناسبة الآيات لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تم الخبر عن المنكر لما أنزل الله على ألسنة الملائكة من الروح من أمره على الأنبياء عليهم السلام، إنكارًا لفضلهم وتكبرًا بما ليس لهم، بالاعتراض على خالقهم، ابتدأ الخبر عن المقرين تصديقًا لهداتهم واعترافًا بفضلهم وتسليمًا لمن هم عبيده في تفضيل من يشاء، منبهًا على الوصف الذي أوجب لهم الاعتراف بالحق، فقال حاذفًا ل {إذا} دلالة على الرضى بأيسر شيء من الخير والمدح عليه ولو لم يتكرر: {وقيل للذين اتقوا} أي خافوا عقاب الله {ماذا} أي أي شيء {أنزل ربكم} أي المحسن إليكم من روحه المحيي للأرواح، على رسوله {قالوا} معترفين بالإنزال، غير متوقفين في المقال، فاهمين أن ذا مؤكدة للاستفهام لا بمعنى الذي: أنزل {خيرًا} وإنما أطبق القراء على نصب هذا ورفع الأول فرقًا بين جوابي المقر والجاحد بمطابقة المقر بين الجواب والسؤال، وعدول الجاحد بجوابه عن السؤال؛ ثم أخذ يرغب بما لهم من حسن المآل على وجه الجواب لسؤال من كأنه قال: ما لهم على ذلك؟ فقيل مظهرًا موضع الإضمار مدحًا لهم وتعميمًا لمن اتصف بوصفهم: {للذين أحسنوا} فبين أن اعترافهم بذلك إحسان؛ ثم أخبر عنه بقوله: {في هذه الدنيا حسنة} أي جزاء لهم على إحسانهم {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} [الرحمن: 60].
ولما كانت هذه الدار سريعة الزوال، أخبر عن حالهم في الآخرة فقال: {ولدار الآخرة خير} أي جزاء ومصيرًا؛ ثم مدحها ومدحهم بقوله تعالى: {ولنعم دار المتقين} أي هي، مرغبًا في الوصف الذي كان سبب حيازتهم لها، وهو الخوف المنافي لما وصف به الأشرار من الاستكبار، بإظهاره موضع الإضمار وحذف المخصوص بالمدح لتقدم ما يدل عليه، وهو صالح لتقدير الدنيا- أي لمن عمل فيها بالتقوى- ولتقدير الآخرة، وهو واضح.
ولما كان هذا المدح مشوفًا لتفصيل ذلك قيل: {جنّات عدن} أي إقامة لا ظعن فيها {يدخلونها} حال كونها {تجري من تحتها} أي من تحت غرفها {الأنهار} ثم أجيب من كأنه سأل عما فيها من الثمار وغيرها بقوله تعالى: {لهم فيها} أي خاصة، لا في شيء سواها من غير أن يجلب إليهم من غيرها {ما يشاؤون} ثم زاد في الترغيب بقوله: {كذلك} أي مثل هذا الجزاء العظيم {يجزي الله} أي الذي له الكمال كله {المتقين} أي الراسخين في صفة التقوى، ثم حث على ملازمة التقوى بالتنبيه على أن العبرة بحال الموت، فقال تعالى: {الذين تتوفّاهم} أي تقبض أرواحهم وافية من نقص شيء من الروح أو المعاني- بما أشار إليه إثبات التاءين والإظهار {الملائكة طيبين} أي طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر متحلين بحلية الإيمان، فكأنه قيل: ماذا تقول لهم الملائكة؟ فقيل: {يقولون} أي مكررين للتأكيد تسكينًا لما جبلوا عليه من تعظيم جلال الله بالتقوى {سلام عليكم} ويقال لهم لتحقق فوزهم {ادخلوا الجنة} أي دار التفكه التي لا مثل لها {بما كنتم} أي جبلة وطبعًا {تعملون} ترغيبًا لهم في الأعمال التي لا يستطيعونها إلا برحمة الله لهم بتوفيقهم لها. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ}.
اعلم أنه تعالى لما بين أحوال الأقوام الذين إذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم؟ قالوا: أساطير الأولين.
وذكر أنهم يحملون أوزارهم ومن أوزار أتباعهم، وذكر أن الملائكة تتوفاهم ظالمي أنفسهم، وذكر أنهم في الآخرة يلقون السلم، وذكر أنه تعالى يقول لهم ادخلوا أبواب جهنم، أتبعه بذكر وصف المؤمنين الذين إذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم؟ قالوا خيرًا، وذكر ما أعده لهم في الدنيا والآخرة من منازل الخيرات ودرجات السعادات ليكون وعد هؤلاء مذكورًا مع وعيد أولئك وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قال القاضي: يدخل تحت التقوى أن يكون تاركًا لكل المحرمات فاعلًا لكل الواجبات، ومن جمع بين هذين الأمرين فهو مؤمن كامل الإيمان، وقال أصحابنا: يريد الذين اتقوا الشرك وأيقنوا أنه لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأقول: هذا أولى مما قاله القاضي، لأنا بينا أنه يكفي في صدق قوله فلان قاتل أو ضارب كونه آتيًا بقتل واحد وضرب واحد، ولا يتوقف صدق هذا الكلام على كونه آتيًا بجميع أنواع القتل وجميع أنواع الضرب، فعلى هذا قوله: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتقوا} يتناول كل من أتى بنوع واحد من أنواع التقوى إلا أنا أجمعنا على أنه لابد من التقوى عن الكفر والشرك فوجب أن لا يزيد على هذا القيد لأنه لما كان تقييد المطلق خلاف الأصل، كان تقييد المقيد أكثر مخالفة للأصل، وأيضًا فلأنه تعالى إنما ذكر هؤلاء في مقابلة أولئك الذين كفروا وأشركوا، فوجب أن يكون المراد من اتقى عن ذلك الكفر والشرك، والله أعلم.
المسألة الثانية:
لقائل أن يقول: إنه قال في الآية الأولى، قالوا أساطير الأولين، وفي هذه الآية قالوا خيرًا، فلم رفع الأول ونصب هذا؟.
أجاب صاحب الكشاف عنه بأن قال: المقصود منه الفصل بين جواب المقر وجواب الجاحد يعني أن هؤلاء لما سئلوا لم يتلعثموا، وأطبقوا الجواب على السؤال بينا مكشوفًا مفعولًا للإنزال فقالوا خيرًا أي أنزل خيرًا، وأولئك عدلوا بالجواب عن السؤال فقالوا هو أساطير الأولين وليس من الإنزال في شيء.
المسألة الثالثة:
قال المفسرون هذا كان في أيام الموسم، يأتي الرجل مكة فيسأل المشركين عن محمد وأمره فيقولون إنه ساحر وكاهن وكذاب، فيأتي المؤمنين ويسألهم عن محمد وما أنزل الله عليه فيقولون خيرًا، والمعنى: أنزل خيرًا.
ويحتمل أن يكون المراد الذي قالوه من الجواب موصوف بأنه خير، وقولهم خير جامع لكونه حقًا وصوابًا، ولكونهم معترفين بصحته ولزومه فهو بالضد من قول الذين لا يؤمنون بالآخرة، أن ذلك أساطير الأولين على وجه التكذيب.
المسألة الرابعة:
قوله: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ} وما بعده بدل من قوله: {خَيْرًا} وهو حكاية لقول الذين اتقوا، أي قالوا هذا القول، ويجوز أيضًا أن يكون قوله: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ} إخبارًا عن الله، والتقدير: إن المتقين لما قيل لهم: {مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا} ثم إنه تعالى أكد قولهم وقال: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ في هذه الدنيا حَسَنَةٌ} وفي المراد بقوله: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ} قولان، أما الذين يقولون: إن أهل لا إله إلا الله يخرجون من النار فإنهم يحملونه على قول لا إله إلا الله مع الاعتقاد الحق، وأما المعتزلة الذين يقولون: إن فساق أهل الصلاة لا يخرجون من النار يحملون قوله: {أَحْسَنُواْ} على من أتى بالإيمان وجميع الواجبات واحترز عن كل المحرمات.
وأما قوله: {فِى هذه الدنيا} ففيه قولان:
القول الأول: أنه متعلق بقوله: {أَحْسَنُواْ} والتقدير: للذين اتقوا بعمل الحسنة في الدنيا فلهم في الآخرة حسنة، وتلك الحسنة هي الثواب العظيم، وقيل: تلك الحسنة هو أن ثوابها يضاعف بعشر مرات وبسبعمائة وإلى ما لا نهاية له.
والقول الثاني: أن قوله: {فِى هذه الدنيا} متعلق بقوله: {حَسَنَةٌ} والتقدير: للذين أحسنوا أن تحصل لهم الحسنة في الدنيا، وهذا القول أولى، لأنه قال بعده: {وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ} وعلى هذا التقدير ففي تفسير هذه الحسنة الحاصلة في الدنيا وجوه: الأول: يحتمل أن يكون المراد ما يستحقونه من المدح والتعظيم والثناء والرفعة، وجميع ذلك جزاء على ما عملوه.
والثاني: يحتمل أن يكون المراد به الظفر على أعداء الدين بالحجة وبالغلبة لهم، وباستغنام أموالهم وفتح بلادهم، كما جرى ببدر وعند فتح مكة، وقد أجلوهم عنها وأخرجوهم إلى الهجرة، وإخلاء الوطن، ومفارقة الأهل والولد وكل ذلك مما يعظم موقعه.
والثالث: يحتمل أن يكون المراد أنهم لما أحسنوا بمعنى أنهم أتوا بالطاعات فتح الله عليهم أبواب المكاشفات والمشاهدات والألطاف كقوله تعالى: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد: 17].
وأما قوله: {وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ} فقد بينا في سورة الأنعام في قوله: {وَلَلدَّارُ الآخرة خَيْرٌ لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [الأنعام: 32]. بالدلائل القطعية العقلية حصول هذا الخير، ثم قال: {وَلَنِعْمَ دَارُ المتقين} أي لنعم دار المتقين دار الآخرة، فحذفت لسبق ذكرها، هذا إذا لم تجعل هذه الآية متصلة بما بعدها، فإن وصلتها بما بعدها قلت: ولنعم دار المتقين جنات عدن فترفع جنات على أنها اسم لنعم، كما تقول: نعم الدار دار ينزلها زيد.
وأما قوله: {جنات عَدْنٍ} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أنها إن كانت موصولة بما قبلها، فقد ذكرنا وجه ارتفاعها، وأما إن كانت مقطوعة، فقال الزجاج: جنات عدن مرفوعة بإضمار هي كأنك لما قلت ولنعم دار المتقين قيل: أي دار هي هذه الممدوحة فقلت: هي جنات عدن، وإن شئت قلت: جنات عدن رفع بالإبتداء، ويدخلونها خبره، وإن شئت قلت: نعم دار المتقين خبره، والتقدير: جنات عدن نعم دار المتقين.
المسألة الثانية:
قوله: {جنات} يدل على القصور والبساتين وقوله: {عَدْنٍ} يدل على الدوام، وقوله: {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} يدل على أنه حصل هناك أبنية يرتفعون عليها وتكون الأنهار جارية من تحتهم، ثم إنه تعالى قال: {لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءونَ} وفيه بحثان: الأول: أن هذه الكلمة تدل على حصول كل الخيرات والسعادات، وهذا أبلغ من قوله: {فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس وَتَلَذُّ الأعين} [الزخرف: 71]. لأن هذين القسمين داخلان في قوله: {لَّهُمْ فِيهَا مَا يشاؤن} مع أقسام أخرى.
الثاني: قوله: {لَّهُمْ فِيهَا مَا يشاؤن} يعني هذه الحالة لا تحصل إلا في الجنة، لأن قوله: {لَّهُمْ فِيهَا مَا يشاؤن} يفيد الحصر، وذلك يدل على أن الإنسان لا يجد كل ما يريده في الدنيا.
ثم قال تعالى: {كَذَلِكَ يَجْزِى الله المتقين} أي هكذا جزاء التقوى، ثم إنه تعالى عاد إلى وصف المتقين فقال: {الذين تتوفاهم الملائكة طَيّبِينَ} وهذا مذكور في مقابلة قوله: {الذين تتوفاهم الملائكة ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ} [النحل: 28]، وقوله: {الذين تتوفاهم الملائكة} صفة للمتقين في قوله: {كَذَلِكَ يَجْزِى الله المتقين} وقوله: {طَيّبِينَ} كلمة مختصرة جامعة للمعاني الكثيرة، وذلك لأنه يدخل فيه إتيانهم بكل ما أمروا به، واجتنابهم عن كل ما نهوا عنه ويدخل فيه كونهم موصوفين بالأخلاق الفاضلة مبرئين عن الأخلاق المذمومة، ويدخل فيه كونهم مبرئين عن العلائق الجسمانية متوجهين إلى حضرة القدس والطهارة، ويدخل فيه أنه طاب لهم قبض الأرواح وأنها لم تقبض إلا مع البشارة بالجنة حتى صاروا كأنهم مشاهدون لها ومن هذا حاله لا يتألم بالموت، وأكثر المفسرين على أن هذا التوفي هو قبض الأرواح، وإن كان الحسن يقول: إنه وفاة الحشر، ثم بين تعالى أنه يقال لهم عند هذه الحالة: {ادخلوا الجنة} فاحتج الحسن بهذا على أن المراد بذلك التوفي وفاة الحشر، لأنه لا يقال عند قبض الأرواح في الدنيا ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون، ومن ذهب إلى القول الأول وهم الأكثرون يقولون: إن الملائكة لما بشروهم بالجنة صارت الجنة كأنها دارهم وكأنهم فيها فيكون المراد بقولهم، ادخلوا الجنة أي هي خاصة لكم كأنكم فيها. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {ولدار الآخرة خيرٌ}.
يحتمل وجهين:
أحدهما: أن الجنة خير من النار، وهذا وإن كان معلومًا فالمراد به تبشيرهم بالخلاص منها.
الثاني: أنه أراد أن الآخرة خير من دار الدنيا، قاله الأكثرون.
{ولنعم دار المتقين} فيه وجهان:
أحدهما: ولنعم دار المتقين الآخرة. الثاني: ولنعم دار المتقين الدنيا، قال الحسن: لأنهم نالوا بالعمل فيها ثواب الآخرة ودخول الجنة. قوله تعالى: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين}.
قيل معناه صالحين.
ويحتمل طيبي الأنفس ثقة بما يلقونه من ثواب الله تعالى.
ويحتمل وجهًا ثالثًا أن تكون وفاتهم وفاة طيبة سهلة لا صعوبة فيها ولا ألم بخلاف ما تقبض عليه روح الكافر.
{يقولون سلام عليكم} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون السلام عليهم إنذارًا لهم بالوفاة.
الثاني: أن يكون تبشيرًا لهم بالجنة، لأن السلام أمان.
{ادخلوا الجنة} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون معناه أبشروا بدخول الجنة.
الثاني: أن يقولوا ذلك لهم في الآخرة.
{بما كنتم تعملون} يعني في الدنيا من الصالحات. اهـ.